top of page
  • صورة الكاتبنواف بن مبارك آل ثاني

الطريق المسدود

أفضل الحلول حرب باردة ثانية و أسوأها حرب عالمية ثالثة

بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على الحرب الروسية ــ الأوكرانية يجد العالم نفسه أمام واقع جديد وهو الضم الرسمي من قبل روسيا الاتحادية لأربع مناطق من شرق أوكرانيا لتكون جزءاً من ”روسيا الأم“، وقد صرح الرئيس بوتين في خطابه الذي أعلن فيه هذا الخبر الذي وصفه ”بالسار“ أنه مع دعوته إلى الحوار مع أوكرانيا إلا أن ذلك لن يشمل مراجعة حالة المناطق التي تم ضمها إلى روسيا حيث أن الرئيس الروسي يرى أنه لا يملك التنازل عن ”سيادة أراضي دولته“ كما وصفها.


بلا شك فإنه مع تطور الأوضاع في أوكرانيا من جميع الأطراف فإن الفرص و“المخارج“ الممكنة ستستمر في الاضمحلال بشكل متسارع وبوتيرة مخيفة، تاركة خلفها يوماً بعد يوم خيارات محدودة وأكثر صعوبة لأنها الحرب والتوتر الاقتصادي والأمني الذي تعدى حدود أوروبا الشرقية ليشمل اقتصاداً دولياً أصبح على حافة الهاوية.


وهنا يرى المراقبون بأن الرئيس بوتين والعالم لا يملكون سوى خيارات قليلة، فمنها الصراع النووي الذي يعتبر أسوأ الحلول و سيكون بداية مايطلق عليه البعض بالحرب العالمية الثالثة، وفي نظري فإن هذا أقل الاحتمالات إمكانية في الحدوث، إلا أن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية (التعبوية محدودة المدى) قد تكون ضمن خيارات بوتين الممكنة حال وجد نفسه محاصراً سياسياً وأمنياً في الداخل والخارج.


ولكن وقبل الخيار النووي يجب أن نعلم أنه تبقى أمام الرئيس الروسي عدة "خيارات تصعيدية" عسكرية وأمنية، بدأنا نرى بعضها على الأرض اليوم بعد إصدار أمر الاستنفار الجزئي لقوة الاحتياط والخدمة الإلزامية التي بلغ عددها حتى هذه اللحظة قرابة ٣٠٠ ألف مجند، إلا أنهم كمجندين من المدنية لن يكونوا بفاعلية ما يسمى ”بالجيش الاحترافي“ حيث يتساءل الكثيرين كيف للمجندين المدنيين غير المدربين أن ينجحوا فيما فشل فيه الجيش الروسي ”المحترف“ ؟


ومن الخيارات العسكرية التقليدية أيضاً - ولو كانت تخالف القانون الدولي الإنساني وقوانين ومواثيق الصراعات المسلحة - هي البدء في سياسة ”الأرض المحروقة“ و تسوية مدن أوكرانية بالأرض، إما باستخدام صواريخ باليستية مطورة لم تدخل ساحة القتال حتى الآن، أو بقصف المناطق المدنية والعسكرية على حد السواء في ”حرب استنزاف“ يقوم عن طريقها الرئيس بوتين بتركيع الحكومة الأوكرانية واستسلامها إلى ”طاولة الحوار“، وهنا لا تكمن الصعوبة في مدى أخلاقية هذا المسار أو قانونيته بالنسبة للرئيس الروسي بل على الواقع العملياتي على الأرض والذي قد يستنزف الجانب الروسي لا الأوكراني.


إن من أسباب النجاح الميداني للقوات الأوكرانية ” حتى الآن“ وفي الأسابيع القليلة الماضية والتي توجت مؤخراً بهزيمة كبيرة للجيش الروسي في ”خاركيف“ هي قيام دول الناتو والولايات المتحدة الأمريكية تحديداً بالرجوع إلى صفحات تاريخ التعامل الغربي مع السوفيت، و الاستعانة بخطة قديمة تم استخدامها ”بنجاح“ أثناء الحرب السوفيتية في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي لكسر الجيش السوفيتي حينها، الشيء الذي غير مسار الحرب وأدى إلى هزيمة سوفيتية كبيرة وبداية انهيار ”الستارة الحديدية“.


علاوة على ذلك فإن ارتفاع وتيرة تسليح الجانب الأوكراني بالمنظومات القتالية الغربية المطورة وبخاصة من الولايات المتحدة جعلت المراقبين يستذكرون تسليح "المجاهدين" الافغان بصواريخ "الستينغر"لاسقاط الطائرات السوفيتية، فنشر منظومة الدفاع الجوي الميداني ”NASAMS“ مؤخراً قد زاد من القدرة الأوكرانية على حرمان القوات الروسية من بسط هيمنتها الجوية الكاملة على أجواء أوكرانيا، الشيء الذي لعب دوراً مهما في معركة ”خاركيف“ الأخيرة، ومع تزايد الضغوط السياسة من قبل الكونغريس الأمريكي علي البيت الأبيض قبيل الانتخابات النصفية الهامة في أمريكا الشهر المقبل بمضاعفة الدعم لأوكرانيا، فقد أصبح من شبه المؤكد إرسال منظومة الصواريخ الميدانية المطورة “ATACMS” والتي ستزيد من المدى الفعّال للصواريخ الميدانية الأوكرانية والتي يتم توجيهها بدقة عالية عبر الأقمار الاصطناعية إلى ٣٠٠ كلم ، مما سيزيد من إمكانية الرمي الأوكرانية إلى ٣ أضعاف القدرة الحالية، الشيء الذي سيضع أهدافاً عسكرية روسية داخل أراضي روسيا الاتحادية ضمن مجال تلك الأسلحة الأوكرانية الحديثة.


أما في حال بقاء الوضع ”الميداني“ على ماهو عليه الآن وهو الأرجح كما يبدو، فهنا سيستوجب على الرئيس بوتين إن أراد الاستمرار في التصعيد ”أن يفكر خارج الصندوق“، وتوسيع دائرة الصراع خارج أوكرانيا - وهو ما قد بدأ فعلاً ، ومع الهزائم العسكرية الروسية المتزايدة ستكون الرغبة في إيجاد الحلول البديلة خارج ”ميدان أوكرانيا“ أكثر جذباً يوماً بعد يوم، كي يستمر الضغط غير المباشر على الدول المؤيدة لأوكرانيا.


أما على الصعيد الدبلوماسي قد تسعى الحكومة الروسية إلى عرقلة العمل الأممي ومنظمات الأمم المتحدة الشيء الذي تستطيع فعله (إلى حد ما) لكونها عضو دائم في مجلس الأمن، وعلى صعيد العمليات غير التقليدية فقد تلجأ روسيا إلى العمليات الاستخباراتية الواسعة والتي قد تطال من خلالها البنية التحتية الاستراتيجية للدول المؤيدة للرئيس الأوكراني زيلينسكي، إما عن طريق عمليات سيبرانية لضرب شبكات الطاقة والمالية والاتصالات، و العبث بأنظمة الانتخابات لزرع الفتن السياسية بين طوائف المجتمعات الغربية (كما تزعم أمريكا أن روسيا قد فعلت في انتخابات ٢٠١٦)، أو عن طريق منظومات الحرب الإلكترونية لتطال بها المصالح الحيوية الغربية مباشرة إما في دولهم أو ضمن نطاق "مصالحهم"، مثل تعطيل أنظمة استراتيجية كالمفاعلات النووية والسدود والموانئ و أنظمة الطيران، وأخيراً قد تنفذ الأجهزة الأمنية الروسية عمليات تخريبية تقليدية كما في العهد السوفيتي أثناء الحرب الباردة، وعمليات الاغتيالات الروسية والتي أصبحت في تزايد في العقدين الماضيين.


ولكن ومع كل هذا فإنه من المتوقع بأن أي ضغوط روسية أو غربية نحو تغيير الواقع على الأرض يجب أن تشمل حلاً واضحاً وإن لم يكن نهائياً، وهنا نجد الخيار الفعال الوحيد والأخير لضمان عدم نشوب تلك الحرب العالمية والانهيارات الاقتصادية المصاحبة، هو الدخول ”طوعاً“ من الأطراف جميعاً في ”حرب باردة ثانية“ لتفادي حرب عالمية ثالثة، و هنا يتوجب على الغرب الإدراك بأنه يجب إقناع الرئيس الأوكراني بالاعتراف بمبدأ ”الأمر الواقع“ ولو في الفترة الحالية لحماية شعبه، وذلك بالموافقة على وقف إطلاق النار من الطرفين، والتخلي الأوكراني عن أي رغبة بالانضمام إلى حلف الناتو و من ثم الجلوس إلى طاولة الحوار للتوصل إلى التهدئة ولكن ضمن هذا الواقع الجديد، وبالمقابل يتعهد الغرب بالدفاع عن أوكرانيا في حال أي اعتداء روسي ”جديد“، الشيء الذي امتنع الغرب عن الالتزام به حتى هذه اللحظة.


نعم، أفضل تلك ”الحلول“ مر، وبمثابة وضع ضمادة صغيرة على جرح غائر، ولكن سيكون الهدف هنا هو التراجع عن حافة الهاوية لا أكثر، على أمل أن تنتج الحرب الباردة الثانية ما أنتجته الأولى، ولكن الرهان سيكون خطيراً،

فالحروب الباردة ما هي إلا حروب ساخنة تنتظر فتيل المغامرة.



إلى اللقاء في رأي آخر …


٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page