«إعصارًا مثاليًا» من التحديات
ونحن في مطلع عام 2024، يُحاول العالمُ الاتزان «كبهلوان هاوٍ» على حبل رفيع من الأمن والاستقرار، في ظل عاصفة تتكوّن في الأفق تمزج صراعات عالمية تاريخية بتحديات جديدة ومُعقدة، فهذا العام الفارق علاوة على أنه سيحمل معه عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي، سيكون عامًا فارقًا في اختيارات كثير من شعوب العالم لمن يحكمها في ظل هذه الظروف المُترنحة، ما سيتطلب في مِنطقتنا فَهمًا دقيقًا لتلك التحديات التي تواجه عالمنا اليوم لمعرفة كيف يمكننا الملاحة حول العاصفة لا خلالها.
هنا في الشرق الأوسط، تزداد حدة التوترات الإقليمية، فمع استمرار إسرائيل بالعدوان الوحشي على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، يكاد العدوان يضمن بذلك تحول بعض نقاط الصراع خارج فلسطين مثل التوترات في البحر الأحمر والعراق ولبنان إلى «حربٍ شرق أوسطية شاملة»، ما يجعل المِنطقة اليوم قرابة عين تلك العاصفة، التي ستكون لها تداعيات على السلام العالمي، فتحوّل الأزمات اليوم في الشرق الأوسط إلى حروب «أبدية» – أشبه بالحروب على العراق وأفغانستان في بداية هذا القرن – ستكون لها آثار أمنية واسعة تطال مدنًا وعواصم خارج الشرق الأوسط، في تفاعل تسلسلي لا يمكن التحكم به. ونرى كذلك أن الوضع يزداد تعقيدًا بسبب الصراع المُستمر في أوكرانيا، فهذا الصراع لم يسبب نشوب أكبر حرب في أوروبا منذ مُنتصف القرن الماضي فحسب، بل أعاد تشكيل السياسة الدولية، لتورط القوى الكُبرى مثل الولايات المُتحدة وروسيا ودول الناتو في أوكرانيا والذي أدى بدوره إلى تغيير جذري في أسس التحالفات الدولية واستراتيجيات الأمن العالمي، واقتصاديات أسواق الغذاء والطاقة العالميين.
كما أن عام 2024 سيشهد لأول مرة عددًا غير مسبوق من الانتخابات الوطنية حول العالم، فنتائج هذه الانتخابات في آن واحد في دول مثل الولايات المُتحدة وبريطانيا والبرازيل والهند ستؤثر بشكل كبير على السياسة الدولية وخاصةً في مجالات الأمن والدبلوماسية، وستكون أولى تلك التجارِب الانتخابية الحرجة في تايوان الأسبوع القادم، حيث تقع مُنافسة شرسة خفية في شوارع تايبيه بين الصين والولايات المُتحدة الأمريكية لكسب الحركات السياسية الشابة هناك، وليحدث كل هذا في ظلال الانتخابات الرسمية بين أحزاب تايوان السياسية، حيث قد تكون نتائج هذه الانتخابات – على عكس سابقاتها – ذات أثر مُباشر على العَلاقة المُستقبلية بين تايوان والصين والدور الأمريكي هناك.
اقتصاديًا، يواجه العالم تحديات كُبرى بعد التعافي «الجزئي» من آثار الجائحة، واضطرابات سلاسل التوريد وتقلبات أسواق الطاقة، التي خلقت وضعًا اقتصاديًا مُتقلبًا، وفي ظل تراجع اقتصادي «متوقع» هذا العام نجد أن هذه القضايا قد تزيد من التوترات الجيوسياسية، أو تخلق توترات جديدة.
الرأي الأخير
قد يُمثل عام 2024 للقيادات العالمية تجمعًا لعناصر مُبعثرة لتكوّن «إعصارًا مثاليًا» من التحديات، بل قد يكون أكبر تحدٍ أمني واقتصادي في هذا القرن، وسيتطلب نهجًا حكيمًا ومُستنيرًا لمواجهة هذه التحديات، فمن الضروري أن تُشاركَ المُنظمات الدولية والقادة في دبلوماسية فعالة وتبني سياسات تدعم الاستقرار والسلام، ومن الإجراءات المُهمة تجديد الالتزام بالمُعاهدات الدولية وزيادة دعم عمليات حفظ السلام والتعاون لمواجهة الضعف الاقتصادي، إن العالم الآن عند مُفترق طرق، والقرارات التي تُتخذ في عام 2024 ستُحدّد مُستقبل الأمن والاستقرار العالمي، وذلك لنتفادى في عشرينيات هذا القرن أخطاء عشرينيات القرن الماضي.
(التحدي القادم كأحجية مُعقدةٍ مُحاطة بلغزٍ بداخل سر)
إلى اللقاء في رأي آخر،،،
Comments