top of page
  • صورة الكاتبنواف بن مبارك آل ثاني

دبلوماسية ”السيجار“

حيث تتصاعد أدخنة المصالح المشتركة

في هذا المكان، يلتقي أصناف مختلفة من سكان وزوار المدينة المعروفة بأنها عاصمة القرار العالمي وسط الدخان المتصاعد والكراسي الجلدية القديمة، نجد ”بوب“، صاحب مقهى شعبي يضم أبرز صانعي القرار في هذه المدينة، هناك نلتقي بعضو مجلس الشيوخ المحافظ، الذي أدين سابقًا بقضية أخلاقية، وبالقرب منه ممثل ليبرالي، اشتهر بدعوته لإنهاء قتل المدنيين في غزة ومعاقبة المعادين للسامية في آنٍ واحد وفي طرف آخر، بين أدخنة السيجار المتصاعدة، يبرز أحد مؤسسي أكبر مكاتب التأثير، مرتديًا قبعة ”الكاوبوي“، والمعروف بحبه لبعض العرب وتسميته الآخرين بالإرهابيين ”حسب الشيك المصروف“.


في الوقت ذاته، يجلس صحفي شهير، وأمامه جهاز الحاسوب، يكتب بجهد، والسيجار في فمه، والرماد يتطاير من مفاتيح الحاسوب بسبب سرعة طباعته لخبر سبق صحفي، قبل أن يلقي ”الرئيس“ خطابه الصحفي الليلة، لا يمكن لأي زائر أن يتخيل أن هذا المكان، الذي لا يخطر ببال أحد أنه قلب العاصمة الأمريكية النابض، حيث تتجلى ”دبلوماسية السيجار“، كما يسميها جونسون، أحد رواد هذا المكان، لأنها تجمع بين شخصيات متنوعة.


الآن، يدخل دبلوماسيان من إحدى دول أوروبا الشرقية، بعد يوم طويل من الاجتماعات مع أعضاء من الحكومة، منشغلين في تحديات عام انتخابي، يسعون خلف بعض ”الدراهم“و يأتيهم الرد: ”دعونا نعطي إسرائيل الأولوية ثم يصير خير“، إلا أنهم قد يجدون ضالتهم هنا، في أغرب الأماكن، في هذا البيت البني، بعيدًا عن البيوت ذات الألوان المختلفة والمتغيرة كطقس هذه المدينة، التي بدأت تتحول، بخجل، من شتاء قارس إلى ربيع بارد.


تملأ مثل هذه الأماكن العاصمة واشنطن؛ فبعضها مقاهي للسيجار كهذه، والبعض الآخر مطاعم أوروبية بلمسة عربية بالية وقد نجد في بعض هذه الأماكن ذلك ”السفيه فوق العادة“ العربي الذي عاشر عدة رؤساء ورشى عدة منظمات، وبدأ يُعرف فقط بـ ”فلان“، دون لقب سعادته أو السيد، في وقت يعتبر فيه السفيه ذلك من قبيل الاحترام، بينما ينظر إليه الآخرون على أنه أسوأ مما كان، ”فلان“ بلا فائدة، في أكبر إهانة يمكن وصف أي مسؤول بها في هذه المدينة، مشغولًا بين أطباق ”الباستا“ الإيطالية، بعيدًا عن الأنظار.


يُعرف الموسم الحالي في واشنطن بـ”الموسم السخيف“، لبروز قصص غريبة حول المرشحين للرئاسة ومؤيديهم في محاولات لا متناهية لجذب المصالح والمفاسد معًا، مع إهمال العقل في كل زاوية. لا يمكن إلا أن نتخيل تلك المقاهي، التي تمزج بين القنوات الدبلوماسية الخلفية وحانات إيرلندا الخشبية القديمة، لتنتج             

”دبلوماسية السيجار“، حيث إن تصاعد الأدخنة البيضاء هنا لا يعني اختيار بابا جديد في روما، بل هو دليل على أنه في أكبر نموذج لكل ما هو غريب وواقعي في عاصمة القرار العالمي هذه يبقى لمثل هذا المكان أثر.


مثل هذه الأماكن في واشنطن، حيث تمتزج الديبلوماسية برائحة السيجار، تشهد على العديد من القصص الخفية والمعقدة التي تُنسج خلف الأبواب المغلقة. يُعد مقهى ”بوب“ بأجوائه العتيقة و أدخنته المتصاعدة، مسرحًا لمثل هذه اللقاءات الفريدة، حيث السياسة والمصالح تتلاقى بشكل غير معتاد، وتُبنى العلاقات على أسس قد لا تكون واضحة للجميع.

الرأي الأخير ...

في هذا الفضاء الخاص، تُناقش الصفقات السرية، وتُعقد الاتفاقيات الدبلوماسية، ويتم تبادل المعلومات الحيوية التي قد تغير مجرى الأحداث على الساحة الدولية، الأشخاص الذين يجدون ضالتهم في هذه الأماكن يدركون قيمة الحوارات التي تُعقد هنا، حيث تكون كل كلمة محسوبة وكل نفثة دخان قد تحمل بين طياتها قرارات تؤثر في حياة الكثيرين. وهكذا، بينما يستمر النقاش والحوار في ظلال الدخان والأضواء الخافتة، تبقى ”دبلوماسية السيجار“ رمزًا لعالم معقد من العلاقات والتفاعلات التي تسير عجلة التاريخ في أروقة السياسة الأمريكية.

الى اللقاء في رأي آخر ...


٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page