top of page
  • صورة الكاتبنواف بن مبارك آل ثاني

حربٌ بِلا عقيدة

في التقاليد العسكرية لا مكان للمتمرد على صفحات الشرعية والقانون


مع ارتفاع وتيرة المعارك في السودان الشقيقة، بدأ تساؤل مهم يتكرر بشكل متزايد في الآونة الأخيرة، هل ما يحدث في السودان حرب أهلية؟ وهنا تمنيت أن يكون الجواب بالنفي القطعي وال «لا» الجازمة، ولكن الواقع أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير.

من المؤكد أننا لا يمكننا نفي صفة الحرب الأهلية عما يحدث في السودان أيضًا، أو كما يحاول البعض في الإعلام فعله، بل يجب علينا التوضيح وبصراحة بأن السودان عالق اليوم في ذلك البرزخ السياسي بين الصراع والحرب.

ولكن إن كان ما يحدث في السودان اليوم من صراع مُسلح هو حرب أهلية بالفعل، فإنها ستكون من أصعب أنواع الحروب حلًا، حيث ستكون على عكس ما يعرف بالحروب الأهلية «التقليدية» حرب بلا عقيدة سياسية، عرقية أو حتى دينية تفرّق بين طرفي النزاع، وإنما صراع مبنيّ على ما يوصف بالشرعية فحسب، وفي تلك الحروب وفي غياب عقيدة مفرّقة بين طرفي النزاع عادة ما تكون الشرعية للمنتصر.

نعم.. في التقاليد العسكرية فإنه لا مكان للمتمرد على صفحات الشرعية والقانون، وهذا مبدأ مطبق في جميع الدول الديموقراطية منها والاستبدادية، إلا أن الواقع على الأرض من قتل للأبرياء وهدم لمقدرات الدولة يجب أن يكون له الوزن الحقيقي في قرار الابتعاد عن الانتصار الصريح نحو البراغماتية في الحل، وذلك لدرء مفاسد الحرب عوضًا عن جلب مصالح السلطة، فالضحية الوحيدة هنا ليست الشرعية في أروقة السلطة، بل السودان على أرض المعركة. ولكن إن كان هذا الصراع المُسلح سيتحول أو قد تحوّل فعلًا إلى حرب أهلية، فسوف تكون من أعقد أنواع الحروب الأهلية حلًا، لتكون -وفي غياب تلك العقيدة- السمة المميزة بين طرفي النزاع هي الشخصيات التي تدير هذه الحرب لا أكثر.

في كتابها «كيف تبدأ الحروب الأهلية» تقول الكاتبة باربارا والتر بأن الحروب الأهلية عادة ما تبدأ «في أجواء تنقصها الديموقراطية» ولكن هل هذا في حد ذاته سبب كاشف لما يحدث؟ لا أعتقد، فلو كانت الديموقراطية وحدها رادعًا للحروب والصراعات لكانت الحروب الأهلية تعم الوطن العربي من المحيط إلى الخليج! وأما في كتاب «الحروب الأهلية في العالم» ذكر المؤلف هناك بأنه وبالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والسياسية فإن تلك الدول التي خاضت حروبًا أهلية من قبل هي أكثر قابلية للدخول في نزاعات مسلحة وحروب جديدة، فهل السودان اليوم أكثر قابلية لنشوب حرب أهلية فيها بسبب تاريخي أو حروب ونزاعات مسلحة سابقة؟ سؤال تصعب الإجابة عليه.

لا يمكن الجزم بما سيأتي به الغد من تطور أو انحسار للنزاع، ولكن ما يمكن التأكد منه هو أن السودان بعد ما يحدث فيه اليوم لن يكون كما كان بالأمس، فلكل حرب ضريبة، ويجب على المجتمع الدولي التدخل لمنع السودان من الانزلاق نحو هاوية «الدول الفاشلة».. فمع عدم معرفة ما إذا كانت فكرة قابلية نشوب النزاع في السودان مفسرة لما يحدث هناك اليوم، إلا إن أراد أحدهم أن يعلم ما إذا كان ما يحدث في السودان حربًا أم لا، فما عليه سوى أن ينظر إلى جثث الأبرياء والتي ستنطق بصدق براءتها بأنها بالفعل حرب بلا عقيدة.

(الحرب قتال، والقتال قتل)

إلى اللقاء في رأي آخر…

٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

댓글


bottom of page