كان الهدف من أغنیة كاتيوشا هو زرع روح الوطنیة في الشعب الروسي أثناء الحرب العالمیة الثانية
كانت أغنیة كاتیوشا أو «Катюша» باللغة الروسیة من أهم الأغاني الحماسیة أثناء الحرب العالمیة الثانیة، حیث كانت تحكي كلمات الأغنیة عن امرأة روسیة اسمها كاتیوشا تنتظر حبیبها على ضفة نهر الفولغا حتى یعود من الحرب. تلك الأغنیة الوطنیة زرعت جذورها في الثقافة السوفیتیة والروسیة حیث سمیت علیها منظومة صواریخ شهیرة ومعدات حربیة كثیرة، وعادةً ما تُعزف كاتیوشا في ذكرى انتهاء الحرب العالمیة الثانیة أو مایعرف بیوم ”النصر العظیم“ .
وفي صباح یوم التاسع من مایو عام ١٩٤٥ استیقظت مدینة موسكو على أنباء استسلام الجیش الألماني النازي إلى الجیش الروسي السوفیتي وقوات الحلفاء، منهیةً بذلك فصلًا من فصول الحرب العالمیة الثانیة في مسرح عملیات القارة الأوروبیة على الأقل، أو كما یسمیها الروس «بالحرب الوطنیة العظمى» . فأصبح الارتباط بین أغنیة كاتیوشا واحتفالات یوم النصر وثیقًا في أذهان الشعب الروسي أثناء وبعد سقوط الاتحاد السوفیتي، بل وقد تكون هذه الأغنیة والمسیر العسكري في ذكرى یوم النصر هما الأثران الباقیان من حطام ما كان یعرف بامبراطوریة الستار الحدیدي.
كان الهدف من هذه الأغنیة هو زرع روح الوطنیة في الشعب الروسي أثناء الحرب العالمیة، إلا أن الزعیم السوفیتي حینها جوزیف ستالین بدأ یشعر بالقلق من مظاهر تلك الروح الوطنیة، وبعد مرور عام على انتهاء الحرب العالمیة الثانیة قام بمنع أي من تلك المظاهر بما في ذلك العرض العسكري المهیب. استمر ذلك المنع لعقدین من الزمان، حتى أتى زعیم جدید وهو لیونید بریجنیف فأرجع مظاهر الاحتفال والعروض العسكریة وأغنیة «كاتیوشا» كذلك، مستغلًا بذلك -كونه أحد الضباط الذین شاركوا في الحرب العالمیة الثانیة- الحماس الوطني لأبطال تلك الحرب ومثبتًا لسلطته على الاتحاد السوفیتي.
أما الیوم، وبعد دخول أكبر حرب بریة في القارة الأوروبیة منذ الحرب العالمیة الثانیة عامها الثاني، نجد روسیا تشبه أوكرانیا بألمانیا النازیة وتعاود «كاتیوشا» فتصدح في الساحة الحمراء في قلب موسكو مرة أخرى، وبدأنا نسمع في الشهور الماضیة رسائل وطنیة تربط بین ماضیهم الألیم وحاضرهم المریر، لضخ الوطنیة في عروق كل مواطن روسي. فلا یمكن أن نعتبرها مصادفة بأنه وفي هذه الأیام التي تسبق الذكرى الثامنة والسبعین لیوم النصر تزداد فیها الاشتباكات في أوكرانیا مع أنباء عن تقدم روسي -ولو كان طفیفًا- على الأرض في أوكرانیا.
بین ترانیم وصواریخ كاتیوشا هذه الأیام نجد التناقض المُخیف لأي حرب، ومع مؤشرات ما یبدو أنها مساعٍ صینیة للعب دور «وسیط السلام» -مرة أخرى- نجد بصیص أمل أن یحل ذلك السلام، ولكن هل ستبقى «كاتیوشا» تنتظر السلام على ضفاف الفولغا طویلًا؟
(سلام سيِّئ خیر من نزاع جید)
إلى اللقاء في رأي آخر…
Comments