top of page
  • صورة الكاتبنواف بن مبارك آل ثاني

وزارة الدفاع غير النبيلة

قاوم تشيرشل «تابوهات» المجتمع الإنجليزي عندما اجتمع مع هؤلاء الشباب

في يوم إنجليزيٍّ صيفيّ ماطر من عام 1940، وقف رجلٌ إنجليزي عند نافذة الطابق الثاني لبناية سكنية تقليدية في شارع بيكر، في العاصمة البريطانية لندن، وهو يشاهد الناس وهي تُهرع نحو الملاجئ بعد انطلاق صافرات الإنذار فيهمس بصوت منخفض: «نحن هنا باقون» ، ليرد عليه آخر من خلفه «لم أسمع ذلك سيدي!، فيشعل سيجارته ويقول بصوت أوضح ملتفتًا إلى مجموعة صغيرة من الرجال والنساء تزاحموا في غرفة المعيشة، ليكمل ضاحكًا: لن نذهب إلى الملاجئ.. فأنتم وزارة الدفاع غير النبيلة!

في ظل أصعب فترات الحرب العالمية الثانية من صيف عام 1940، وعندما كانت القوات البريطانية تحارب في سماء إنجلترا القوات الألمانية وغاراتها المستمرة، ومع معاناة جهاز المخابرات البريطانية «إم آي٦» في التعامل مع المخاطر والتهديدات، قرر رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشيرشل إنشاء جهاز استخباري غير تقليدي أسماه مازحًا وزارة الدفاع غير النبيلة، وهو ما كان يسميه من هم ضده في الحكومة بتهكم ب «جيش تشيرشل السري، أو ما عرف رسميًا ب «الهيئة التنفيذية للعمليات الخاصة، أو SOE.

كان الهدف من هذا الجهاز المخابراتي هو استقطاب شخصيات مختلفة من المجتمع المدني والعسكري لإيجاد حلول أمنية غير مألوفة والتفكير خارج الصندوق الإنجليزي التقليدي، ففي أربعينيات القرن الماضي لم يسمح للنساء أو أصحاب البشرة السمراء أو المسلمين بالعمل الاستخباري من خلال جهاز المخابرات «إم آي٦» ولكن هذا الجهاز الجديد غير التقليدي لم يلتفت للعنصرية المؤسسية في بريطانيا حينها، ولكن إلى الهدف المحدد من قبل رئيس الوزراء وهو إنقاذ المملكة، ولذلك كان يجب القيام بما هو غير مألوف وإعطاء المساحة للإبداع الذاتي في التصرف والتفكير والتنفيذ، الشيء الذي كان له بالغ الأثر في شحن الكثيرين في الجيش والمخابرات البريطانية ضد تشيرشل وأدى ذلك إلى إلغاء وتفكيك الهيئة التنفيذية للعمليات الخاصة بعد الحرب العالمية الثانية.

ولكن أثناء مسيرة هذه الهيئة خلال الحرب، كانت هناك إنجازات استثنائية انبثقت من تلك الشخصيات غير الاعتيادية التي تم تجنيدها، فمن بين هؤلاء الشخصيات ضابط شاب في البحرية البريطانية تم رفضه في أغلب الإدارات لكونه غريب الأطوار، هذا الشاب -واسمه إيان فليمنغ- كان أحد مؤسسي إدارة التمويه في تلك الهيئة، والتي وفرت لعملاء الهيئة طرقًا مبتكرة في إخفاء آلات التصوير والمتفجرات والمستندات المزورة وأجهزة الاتصالات من الجيش النازي خلف خطوط العدو وفي منطقة العمليات، وقد اشتهر فليمنغ بعد الحرب لكونه مؤلفًا لسلسلة قصص جيمس بوند والتي بناها من واقع عمله في الSOE.

وعند بحثي في هذا الموضوع استوقفتني قصة يجهلها الكثير، وهي قصة شابة هندية مسلمة، اسمها نور خان، كانت نور تنحدر من أسرة حاكمة هندية مسلمة، وتحديدًا من حكام سلطنة ميسور حيث كان جدها السلطان تيبو يلقب من قبل الإنجليز بنمر ميسور، وقد عاشت نور وأسرتها في باريس حيث درست في السوربون قبل استقرارها في إنجلترا، وكانت نور تعيش في المملكة المتحدة حياة كريمة، ككاتبة ناجحة لقصص الأطفال وروائية استثنائية تكتب باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وقد اشتهرت من خلال الإذاعة الفرنسية وانتشرت رواياتها في صالونات باريس الثقافية، ومع كونها رافضة للحرب والقتل إلا أن رفضها للفاشية كان أقوى بكثير، مما جعل منها شخصية استثنائية للعمل الاستخباراتي الاستثنائي.

عملت نور لنصرة الحلفاء وموطنها بالتبني إنجلترا ضد النازية، فقامت تحت غطاء حياتها اليومية كسيدة مجتمع مسلمة وكاتبة وروائية ناجحة، بالعمل مع المقاومة الفرنسية لإيصال المعلومات الاستخباراتية لهم من إنجلترا، وقد ساهمت في ربط مجموعة من المقاومة الفرنسية من مسلمي فرنسا، وتحديدًا القناصة الجزائريين مع قيادة العمليات الخاصة البريطانية لتنفيذ عمليات عرقلة النازيين الألمان في فرنسا، وفي أثناء إحدى العمليات في باريس تم إلقاء القبض عليها من قبل الشرطة السرية الألمانية «الغيستابو» وتعذيبها ومن ثم إعدامها بطلقة خلف الرأس عام 1944، حيث كانت آخر كلمة لها قبل إعدامها هي «الحرية» .

لقد قاوم تشيرشل تابوهات المجتمع الإنجليزي عندما اجتمع مع هؤلاء الشباب في ذلك المنزل على شارع بيكر، وقرر أن لكل مواطن مهما اختلف عن الآخر – وعما هو تقليدي ومألوف – دورًا في الدفاع عن الوطن.

فهل نجد في عالمنا العربي اليوم فكرًا مشابهًا؟ أم ما زلنا نبحث عن مَن نصفهم -مخطئين- .. بالنخب؟

(الموتى فقط هم من رأوا نهاية الحروب)

إلى اللقاء في رأي آخر …



٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page