هل يستطيع كينيدي خلط الأوراق السياسية واستبدال ما هو مألوف بما هو جديد؟
في القرن التاسع عشر اشتهرت جملة «الموسم السخيف» في الصحافة البريطانية لتصف موسم الصيف عندما تكون السلطتان التشريعية والقضائية في عطلتيهما الدستورية، حيث تتجه الصحافةُ لتغطية أخبار غريبة، و«سخيفة» في صفحاتها الأولى لسد فراغ قلة الأخبار.
تم تبني تلك الجملة من قِبل الصحافة الأمريكية في السنوات التي تلت نشأتها في بريطانيا لتصف الشهور الأولى للحملات الانتخابية والتي قد تمتد إلى عامين قبل الانتخابات الفعلية، وليبدأ حينها ما يُعرف بـ «السيرك» الانتخابي، حيث يقوم الساسةُ والصحفيون بالتجول لشهور عدة حول الولايات المُتحدة الأمريكية، شرقًا من نيوهامشاير وغربًا حتى كاليفورنيا، وشمالًا من ولايات حاسمة مثل أوهايو وجنوبًا إلى ولاية فلوريدا، لقياس نبض الشارع الأمريكي عمن سيكون مُرشح حزبه ليكون الرئيس الأمريكي القادم.
وبما أننا على أبواب هذا «الموسم» ومع انطلاق السيرك فعليًا، أردت أن أتحدثَ عمن هم الأقرب إلى تمثيل أحزابهم في الانتخابات الحزبية القادمة، ومن ثم الرئاسية في شهر نوفمبر من العام القادم.
أولًا.. الحزب الديمقراطي:
الرئيس بايدن
يتميزُ الرئيسُ الأمريكي عادة في عالم السياسة الأمريكية في فترة إعادة انتخابه بتقدم طفيف على مُنافسه من الحزب الآخر، وبتأييد حزبه شبه المُطلق له كمُرشحه في المؤتمر الحزبي، ولذلك فإن الرئيس بايدن يتمتع بموقف يجعل منه خَصمًا صعبًا في الانتخابات العامة وأصعب في الانتخابات الحزبية. إلا أن مسألة السن تظل تحديًا أساسيًا أمامه، حيث إنه سيكون في السنة الثانية والثمانين من عمره عند بداية فترته الرئاسية الثانية، في حال إعادة انتخابه.
بلا شك أن المخاوف الأولية، لكون الرئيس بايدن يُعد أكبر رئيس سنًا في تاريخ الولايات المُتحدة الأمريكية، قد زالت منذ أن انتخب لأول مرة، إلا أن التساؤلات حول القدرات الصحية والعقلية لرجل ثمانيني على خوض حملة انتخابية، إضافة إلى إدارة فترة رئاسية ثانية ستتزايد في الشهور القادمة لتكشف معالم هذا التحدي لحملته الانتخابية.
روبيرت ف. كينيدي «الابن»
أعلنَ المُحامي الأمريكي وابن المُرشح الرئاسي السابق روبرت كينيدي عن ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة عن الحزب الديمقراطي، ومع كون كينيدي ينحدر من أسرة سياسية شهيرة تُعد من نسيج الحزب الديمقراطي التاريخي، إلا أن التحدي الأساسي له سيكون في إمكانية تقسيم الحزب الديمقراطي ومُحاولة إقناع مؤيدي الرئيس بايدن بالانشقاق عنه والانضمام إلى مُعسكره، الشيء الذي يعتبر مُستبعدًا في الأعراف السياسية والحزبية الأمريكية، وإن لم يكن مُستحيلًا. ففي الانتخابات الحزبية للجمهوريين عام ١٩٧٦ استطاع المُرشح رونالد ريغان حينها الاقترابَ من هزيمة الرئيس جيرالد فورد، إلا أن الولاءات الحزبية للرئيس فورد كانت لها الغلبة، وهو ما يتوقع أن يكون وضع المُرشح كينيدي هنا أيضًا. لكن بعيدًا عن اعتماد المُرشح كينيدي على الذكريات والعاطفة لكونه ابن عضو مجلس شيوخ ومُرشح رئاسي تم اغتياله وابن شقيق رئيس أمريكي تم اغتياله هو الآخر، فرسالة كينيدي التي تخلط بين مبادئ الحزب الديمقراطي الجذابة، وأفكار الحزب الجمهوري المُهددة لأعضاء حزبه، قد تكون لها ما يكفي من أثر على ناخب ديمقراطي سئم خطابات «رجل عجوز» وبدأ ينظر إلى البديل. ومع كون ذلك مُستبعدًا، إلا أنه وبعد انتخابات ٢٠١٦ لم يعد لكلمة «مستبعد» في قاموس السياسة الأمريكية أي وجود.
الرأي الأخير ...
كما نرى في الحزب الديمقراطي فإن التقدم والتأييد حتى الآن هو للرئيس بايدن، لكن هل يستطيع كينيدي خلط الأوراق السياسية واستبدال ما هو مألوف بما هو جديد، وذلك بالاعتماد فقط على أفكار غير تقليدية أو «الحنين إلى الماضي» وزمن آل كينيدي؟ قد تكون الشهور المُقبلة حُبلى بالمُفاجآت داخل بيت الحزب الديمقراطي.. فلننتظر المُفاجآت.
في الأسبوع المُقبل سأتناول الحزب الجمهوري والتقلبات هناك بين المُرشحين المُعلنين مثل الرئيس السابق ترامب، ونيكي هيلي، والمُرشح المُتوقع قريبًا حاكم ولاية فلوريدا دي سانتيس.
(القيادة لا تتعلق بالانتخابات القادمة، بل بالأجيال القادمة)
إلى اللقاء في رأي آخر.
コメント