التمرد كشف التوترات الداخلية بالأوساط العسكرية والأمنية الروسية
في سلسلةِ من الأحداثِ المُذهلة التي هزَّت النسيجَ السياسيَّ الروسيَّ، شنَّت مجموعةُ فاغنر الروسية وهي شركة أمنية عسكرية خاصة بقيادة يفغيني بريغوجين تمردًا جريئًا وتاريخيًّا هدَّدت به ولو لفترة وجيزة سُلطة الرئيس فلاديمير بوتين والتي كانت وحتى تلك اللحظة مُطلقة. ولكن وفي كتب التاريخ، فإن مثل هذا التمرّد الذي يقع ضمن الصفوف العسكرية عادة ما يكون سيفًا ذا حدَّين للمُتمرد.
ماذا حدث ؟
على مدار 36 ساعة، قامت مجموعة فاغنر التي كانت أصولها الغامضة وعلاقاتها بالكرملين موضع تكهنات لسنوات بشنِّ تمرُّد مُسلح ضد حكومة الرئيس بوتين، حيث احتلت مواقع عسكرية رئيسية في مدينتَين روسيتَين، وتقدمت نحو موسكو بسرعة هائلة، أدى هذا إلى نشر قوات مُسلحة ثقيلة من الجيش النظامي الروسي في شوارع العاصمة موسكو، ما قدَّم صورة تُذكّرُنا بالانقلابات والتمرّدات التاريخية التي هزَّت تلك البلدان.
ومع كل هذا، إلا أنَّ التمرد توقف فجأة، وذلك مع ورود تقارير عن صفقة تم التوسط فيها من قِبل الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، ما دفع بريغوجين إلى تخفيف التصعيد وأمر مُقاتليه بالعودة إلى قواعدهم. وفي خطاب للأمة الروسية، شكرَ الرئيس بوتين المُقاتلين على اتخاذ «القرار الصحيح» بوقف تقدمهم. وقدم لهم خيارات إما العودة إلى عائلاتهم، أو التوقيع على عقود مع وزارة الدفاع الروسية، أو «الذهاب إلى بيلاروسيا» لمن يرغب في ذلك. وهنا لم يذكر بوتين بريغوجين بالاسم، لكنه اتهم من أسماهم بمُنظمي التمرّد بـ «خيانة بلادهم».
التحليل والآفاق المستقبلية
1 التأثير على السلطة الداخلية في روسيا: يكشف التمرد عن التوترات الداخلية ضمن الأوساط العسكرية والأمنية الروسية، حيث قد تكون هناك زيادة في التشكيك بالقيادة والإصلاحات الداخلية المزعومة، مع تحولات مُحتملة في التحالفات السياسية الداخلية.
2 التداعيات على العلاقات الروسية البيلاروسية : نظرًا لدور لوكاشينكو في التوسط لإنهاء التمرد، وهنا قد تتأثر العلاقات بين روسيا وبيلاروسيا، سلبًا أو إيجابًا لا نعلم، ولكن العلاقة بين الدولتَين بدأت تدخل فصلًا جديدًا في تاريخَيهما.
3 الصراع في أوكرانيا: مع التقلبات المُحتملة في معنويات الجيش الروسي والقدرة التشغيلية، قد يشهد الصراع الدائر في أوكرانيا تحولات عملياتيَّة، وقد يستغل الجيش الأوكراني هذه اللحظة لتعزيز مواقعه أو تحقيق مكاسب ولو كانت آنية. من جهة أخرى، قد تزيد روسيا من تعزيزاتها العسكرية كعرض للقوة الداخلية، ولمُحاربة أي تصور للعالم بأن النظام قد ضعف بسبب هذا التمرد.
4 العلاقات الدولية والمخاوف الأمنية: من المحتمل أن تؤدي تبعات التمرد إلى وضع بعض الدول لعلاقتها مع روسيا تحت المجهر، وذلك مع تركيز خاص على قضايا الأمن مثل قدرة روسيا على تأمين ترسانتها من الأسلحة النووية، حيث إنه يتجلَّى من التاريخ بأن أحداث التمرد تحمل عادة في طياتها الإمكانية لإحداث تحولات كبيرة. ويتوجب على المُراقبين وصنَّاع القرار أن يكونوا على دراية بالتطورات لكي يتعاملوا معها بحذر واستباقية، حيث يمكن أن تؤثر الأحداث داخل روسيا على الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي.
5 التحقيقات ووضع يفغيني بريغوجين: مع وضع بريغوجين الذي يعتقد أنه في بيلاروسيا حاليًا قيد التحقيق من قبل مكتب النائب العام الروسي، قد يكون هناك تداعيات قانونية وسياسية في الأسابيع القادمة. وهنا يجدر متابعة تطورات وضع بريغوجين في بيلاروسيا والدور الذي قد يلعبه في المستقبل هناك.
6 رد فعل الجمهور والتحول السياسيّ: يمكن أن يكون للتمرد تأثير على الرأي العام داخل روسيا، إذا أدَّت الأحداث إلى انخفاض الثقة في الحكومة، وقد يكون هناك ضغوط للتغيير السياسي والإصلاح.
الرأي الأخير..
يجدر بالمُجتمع الدولي مُراقبة الوضع في روسيا بعناية. مع تاريخ روسيا المُعقد ودورها كقوة عالمية رئيسية، قد تكون تداعيات الأحداث الحالية بعيدة المدى وذات تأثير على الاستقرار الإقليمي والعالمي، حيث قد يتعين على الحكومات وصنَّاع القرار العمل بحذر والاستعداد للتعامل مع أي سيناريو قد ينشأ نتيجة لهذه التطورات.
(يسكن الدافع بين الهوس والإكراه)
إلى اللقاء في رأي آخر...
Comments