”إنه مجنون!!“
- نواف بن مبارك آل ثاني

- 23 يوليو
- 2 دقيقة قراءة
البيت الأبيض بين لحظة غضب و بداية مراجعة


هناك في واشنطن، لم يعد الكلام عن نتنياهو يدور همسًا. الرجل الذي كان يُعامَل لسنوات كحليف فوق العتاب، أصبح اليوم عنوانًا لإرباك البيت الأبيض وإحراج سياسته في المنطقة. في مكتب الرئيس، تسقط أحيانًا أوراق الدبلوماسية ويعلو صوت الحقيقة: «إنه مجنون.. يضرب كل شيء في كل وقت». جملة قيلت ببرود، لكنها حملت ثِقَل ما هو أبعد من توصيف شخصي، لأنها تُشير إلى أزمة عَلاقة وإلى بداية نفاد الصبر.
غزة هنا ليست مجرّد ساحة حرب، بل مشهد إنساني يتكلم وحده. هناك يموت الناس قبل أن يصلهم الموت؛ يموتون جوعًا، أو يموتون بانتظار شاحنة مساعدات لا تصل، ثم تأتي الغارات لتترك فوق الموت موتًا آخر. في ذلك اليوم قُصفت الكنيسة الوحيدة التي احتمت بها عائلة هربًا من المجاعة ومن القذائف، فسقطت جثامينهم بين المذبح والجدار. لم يعد الأمر حربًا دفاعية كما يقول نتنياهو، بل هو عقاب جماعي، وسياسة تجويع ممنهجة، تمارس بدم بارد بينما العالم يكتفي بالصمت، وكأن الصمت نفسه صار شريكًا في الجريمة.
وفي دمشق، كانت واشنطن تحيك بصعوبة خيوط مُبادرة لإعادة إعمار بلدٍ مُنهكٍ، لكنها فوجئت بضربةٍ جديدةٍ نسفت كل شيء. المباني الحكومية قُصفت على مرمى حجر من القصر الرئاسي، وكأن الرسالة مقصودة: لا أفق لأي استقرار، لا في غزة ولا في سوريا، ما دام القرار بيد رجل يرى كل مُبادرة فرصة لفرض نفسه، لا لفرض حل.
ترامب، الذي يتحرّك عادة بحسابات المصالح المباشرة، بات يكتشف أن حسابات نتنياهو لا ترى إلا نتنياهو. كبار المسؤولين في البيت الأبيض وصفوه بأنه يقيس خطواته بمسطرة انتخابية ضيقة، يُضحي فيها بحلفائه وبالمدنيين معًا، ثم يتباهى بأنه الوحيد الذي يعرف الطريق. رجل يحرق الجسور ثم يقف وحيدًا ليعلن أنه بلا بديل.
الزيارة الأخيرة إلى واشنطن، التي أرادها نتنياهو استعراضًا للقوة والتحالف، تحوّلت إلى خيبةٍ سياسيةٍ؛ لا وقف لإطلاق النار في غزة، ولا صفقة لتحرير الرهائن، فقط دماء جديدة وجوع يمتدّ، وقطاع يموت ببطء بينما أطفاله ينبشون القُمامة بحثًا عن حياة.
الرأي الأخير ...
السؤال الذي يتردد الآن في واشنطن ليس عن غزة فقط، ولا عن دمشق فقط، بل عن السياسة كلها: إلى متى يُمكن للرئيس الأمريكي أن يتحملَ عبء هذا الجنون؟ وهل تستطيع واشنطن أن تواصلَ غضَّ الطرف عن رجل يقامر بمصالحها كما يقامر بمصير الآخرين؟ رسائل الغضب التي خرجت من البيت الأبيض قد تكون بداية زمنٍ مُختلفٍ، زمن تُعاد فيه كتابة قواعد اللعبة، وتُسحب فيه من نتنياهو تلك الورقة القديمة: «الشيك على بياض».
«كل صاروخ بلا حكمة يسقط مرتين».
إلى اللقاء في رأي آخر،،،











تعليقات