تحديدُ خطواتِ أمريكا القادمة في الشرق الأوسط
هل ستنسحبُ الإدارةُ الأمريكية القادمة من الشرق الأوسط أم ستحافظ على حضورها القوي؟ هل ستعتبرُ مكافحة الإرهاب أولوية أم ستركز أيضًا على تعزيزِ الديمقراطيَّة وحقوق الإنسان؟ مع اقتراب الانتخابات الأمريكيَّة، فالأجوبة عن هذه الأسئلة لديها القدرة على إعادة تشكيل مسار هذه المِنطقة الحيوية ودور الولايات المتحدة فيها، تحتَ إدارة بايدن اتبعت أمريكا مسارًا حَذرًا في الشرق الأوسط، أعطت فيه الأولوية لبناء الشراكات والدبلوماسية عوضًا عما يعرف بالتدخل «العدواني»، ومع ذلك لا تزال المنطقة مرتعًا للتقلبات، ما يدفع بمجموعة من التحديات الملحة التي لا يمكن للإدارة القادمة تجاهلها ومن بينها:
– الأزمة السورية: التي دخلت الآن عامها الثالث عشر، والتي لا تُظهر أي علامات على التوقف رغم «التقارب العربي» المزعوم.
– إيران: التي أصبحت أكثر جرأةً ونفوذًا، فهي مستمرة في تحدي توازن القوى في المنطقة وأبعد، كما رأينا مؤخرًا في أوكرانيا.
– الإرهاب: رغم أنّه مبتور الأطراف، إلا أن خطره لا يزال يطفو على السطح لكثير من المجتمعات العربية.
– روسيا والصين: اللتان تضعان بصماتهما و«بقوة» في المِنطقة.
عامل الاتزان: الانسحاب أو الالتزام ؟
كيفية تعامل الإدارة الأمريكية القادمة في مواجهة هذه التحديات لن تؤثر فقط على مستقبل الشرق الأوسط، بل ستحدد أيضًا كيف تتم رؤية أمريكا على الصعيد العالمي، فإذا اختارت الولايات المتحدة مسارًا أكثر انعزالًا، فقد تخاطر بدفع المِنطقة نحو المزيد من عدم الاستقرار، ما يخلق فراغًا قد تستغله من تراهم واشنطن «بالقوى المتربصة»، ولكن بالمقابل قد يؤدي الحفاظ على حضور أمريكي قوي إلى التأثير أو التأثر بنزاعات باهظة الثمن والتي قد تمتد لسنوات، نزاعات قد تذكرنا «بالمغامرات» الأمريكية السابقة.
الحل قد يكمن في إيجاد «حل منتصف الطريق»، وهذا قد يعني الاستمرار في بناء شراكات قوية مع الحلفاء في المنطقة، واستخدام القدرات الدبلوماسية كبديل للقوة العسكرية والتي لطالما كانت المحرك الرئيسي للعلاقات في المنطقة، وتأكيد الحقوق الإنسانية والديمقراطية ولكن دون تعقيد الأمور بتوقعات غير واقعية على المدى القريب لنشر الديمقراطية بنكهة غربية في شرق أوسط رافض لذلك.
عوامل إضافية: التغييرات الديناميكية
تأثير حرب أوكرانيا، وظهور الفاعلين غير الحكوميين مثل داعش وحزب الله في نظر الحكومة الأمريكية، والدور الحاسم لأمن الطاقة، واللعبة الجغرافية السياسية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا فيما يسمى «بمنافسة القوى العظمى»، كلها تضيف طبقات معقدة على مشهد معقد بالأصل، علاوة على ذلك، فهيمنة ظِل التغير المناخي الوشيك على الدبلوماسية الدولية وإمكانيته لتفاقم النزاعات الإقليمية، بالإضافة إلى أزمة اللاجئين المستمرة، تعد كلها عوامل إضافية في هذا التحدي المتعدد الأوجه.
الرأي الأخير…
مع وقوف الشرق الأوسط على مفترق طرق توازن القوى العالمية، ستتمتع الإدارة الأمريكية القادمة بتأثير قوي على الاتجاه الذي ستسلكه، من خلال اعتماد نهج متوازن ومدروس يجمع بين الدبلوماسية والواقعية، يمكن من خلاله أن تساهم في تحقيق مستقبل أكثر سلامًا واستقرارًا وازدهارًا للمنطقة، ولكن يبقى السؤال: هل هذا ممكن فعلًا؟
(أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هو صنعه)
إلى اللقاء في رأي آخر...
Σχόλια