استخلاص الدروس من الغرب لتأصيل «أسس الديمقراطية» في العالم العربي
العالمُ العربي، المُتميّزُ بتنوّعه الثقافي وتراثه العريق، يواجه تحديًا مُتناميًا في مواجهة التضليل السياسي، هذه الظاهرة الخبيثة التي تُشكّلُ خطرًا على الحوار العام والمُشاركة السياسية البنّاءة بدأت بالانتشار بكثافة في مُجتمعاتنا تحت مُسميات عدة منها «الأخبار الكاذبة»، وتجارب الغرب العميقة في التعامل مع هذا التحدي قد توفّر لنا دروسًا قيّمةً لمُعالجة مثل هذه الظاهرة.
في عصرنا الرقْمي أصبح الإنترنت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فهو يستعمل اليوم كأداة قوية للتواصل والتعبئة معًا، ولكن كما نعلم جيدًا من تجارب عديدة ومنها تجربة الغرب، فإنه يمكن استغلال هذه الأداة لنشر الأخبار الكاذبة والمُضللة، ما يؤدي إلى التأثير السلبي على الأوضاع السياسية والاجتماعية في الداخل، كما يمكن من خلالها تجييش الرأي في الخارج.
كما هو الحال في العديد من البلدان العربية، فقد أصبح من الصعب في الغرب تقييم الحقائق والاعتماد على المصادر الموثوقة بسبب انتشار الأخبار المُضللة، فالانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 والانتخابات البرلمانية الأوروبية لعام 2019 كانتا مثالين حيين على كيفية استغلال هذه الظاهرة لتحقيق الأجندات السياسية وإثارة التوتّرات الاجتماعية والسياسية.
وهنا يُطرح السؤال: كيف يمكن للعالم العربي التصدي لهذا التحدي سريع النمو ؟ رغم انعدام «الحلول السحرية»، إلا أنه يمكننا البدء بتحديد بعض الاستراتيجيات المُهمة لأي سياسة ناجحة للتصدي لهذه الظاهرة.
أولًا، يجب تعزيز الكفاءة الرقْمية للمواطنين، حيث تأتي أهمية تمكين الأفراد من فهم الأخبار التي يتلقونها وتمييز الحقائق من الأخبار المُزيّفة، فمسؤولية أي حكومة – تجاه حماية مواطنيها – مُطلقة، وحماية عقول المواطنين تقع ضمن أولويات تلك المسؤولية، ويتطلب ذلك من النظام التعليمي بشكل أساسي تبني مهارات الفحص النقدي والقراءة الحذرة للمُحتوى عبر الإنترنت لجميع الطلبة في مراحل الدراسة المُختلفة.
ثانيًا، يجب على شركات التكنولوجيا العالمية والتي تعمل في دولنا في مجالات التواصل والاتصالات، تحمّل مسؤولية أكبر، لتتضمن هذه المسؤولية زيادة في الشفافية بشأن الخوارزميات المُستخدمة والتي تُحدّد ما يراه الناس، والعمل على تقليل انتشار المعلومات الكاذبة واحترام قوانين وتقاليد المُجتمعات العربية.
أخيرًا، فإن التعاون الإقليمي والدولي في مجال مُكافحة التضليل يُعد اليوم من الضرورات، فيمكن أن يوفّر التعاون فرصةً لتبادل الاستراتيجيات وأفضل المُمارسات، وبناء «قوة مُشتركة» لمواجهة هذا التحدي المُتجدّد.
الرأي الأخير ...
تقفُ السياسةُ في العالم العربي اليوم عند مُفترق طرق، وسوف يكون موقف الدول العربية من تحدي التضليل بمثابة نقطة تحول حاسمة في تطور «الديمقراطية الشرقية» والحوار العام في دولنا، فالتعامل بفاعلية مع التضليل السياسي يمكن أن يفتحَ آفاقًا جديدةً لبناء مُجتمعات أكثر قوة ومرونة، قادرة على التعامل مع التحديات بثقة وحكمة.
Comments