الأرض هي مهد البشرية، ولكن لا يمكن البقاء في المهد إلى الأبد
لنتخيل معًا أنه في زمن -قد يكون قريبًا- قد نقرأ عناوين تتحدث عن سباق نحو الفضاء. ولكنه ليس سباقًا مُتوقعًا بين الولايات المُتحدة وروسيا، أو حتى بين الصين والهند، بل في الخليج العربي.
والآن، دع الخيال جانبًا واسمح لي أن أقول لك إن هذا سيحدث حقًا! ففي مقالةٍ سابقةٍ لي بعنوان «وكالة الفضاء القطرية» نُشرت عام 2010، تحدثت عن الأهداف التي قد تكون وراء هذه الخطوة، وكما قلت آنذاك «ستهدف إلى المُشاركة في المرحلة المُقبلة من الاكتشافات العلمية وتمثيل شعوبنا في سباق الفضاء الجديد»، وها نحن اليوم نقف على أعتاب هذا السباق، وليس فقط لتحقيق الأهداف العلمية السامية، بل ربما نتوجّه نحو سباق تسليح فضائي.
لقد أصبح من الضروري اليوم بالنسبة لدول الخليج، سواء كانت مُجتمعة أو مُنفردة، النظر في قضية الفضاء ليس فقط من منظور علمي ولكن من منظور أمني أيضًا وهذا ما قد نشهده قريبًا، فعندما نعلم أن الفضاء الخارجي هو النطاق الخامس للدفاع بجانب البر والبحر والجو والفضاء السيبراني، فإننا نُدرك أهمية التسليح في هذا المجال، دون أن نُهملَ الجانب العلمي كما ذكرت في ذلك المقال عام 2010.
لفهم السباق القادم، يجب أن نُدركَ أن هذا السباق لن يأتي من العدم، فقد كان لدولة قطر ودول الخليج وجود في «نطاق الفضاء» من الناحيتين العلمية والأمنية، ولكن، كما هو الحال مع السباقات السابقة، فإن هذا السباق الجديد قد يُمثل بدايةً لمرحلة توسع وهيمنة، لضمان المصالح الخليجية المُشتركة والوطنية المُنفردة على حدٍ سواء.
السباق العلمي هو الأبرز بينها، فهدفه الأساسي هو المُشاركة والتعاون في نشر العلم ومُخرجات البحث العلمي، ومن هنا قد نرى توجّه دول الخليج نحو استكشاف الفضاء، ولكن بالاعتماد على الأبحاث والتقنيات المحلية وليس الاعتماد الكامل على الخارج.
أما السباق التسليحي، فهو يرتبط بالوضع الأمني العالمي الحالي، وأتوقع أن يشهدَ نموًا سريعًا خصوصًا في مجالات أمن الاتصالات والاستطلاع وإدراك الوضع الفضائي والعمليات الداعمة على الأرض وأخيرًا الطاقة الموجهة.
السباق الاقتصادي قد يكون الأصعب، حيث يتطلب استثمارات طويلة الأمد في اقتصاد الفضاء من بحث وتطوير وصناعة واستثمارات أجنبية.
أما السباق التشريعي، فهو الأهم ويتوقع أن تتحملَ المجالس التشريعية في الخليج العبء الرئيسي، ومع انضمام بعض دول الخليج إلى «اتفاقية آرتيماس» للاستكشاف السلمي للفضاء وانضمام آخرين إلى الاتفاقية الأمنية للوعي الفضائي «SSA»، سيكون علينا التأكد من التوافق بين التشريعات المحلية والدولية لتحقيق الأهداف بشكل دائم وسليم.
الرأي الأخير:
نعم قد نتخيل مُستقبلًا بهذا الشكل، لكن الواقع هو، وفي عالم يزداد تعقيدًا كل يوم ومع كل نشرة إخبارية، لن نحتاجَ أن نتخيلَ كثيرًا، فالمُستقبل هنا الآن.
(الأرض هي مهد البشرية، ولكن لا يمكن البقاء في المهد إلى الأبد).
إلى اللقاء في رأي آخر...
Comments