top of page
  • صورة الكاتبنواف بن مبارك آل ثاني

عندما لا يكفي النصر

في الحروب، الحقيقة هي الضحية الأولى

”النصر البيروسي»، مُصطلح سياسي يُشير إلى المعارك التي يتم الانتصار فيها بتكلفة باهظة لدرجة أنها قد تعتبر هزائم في النهاية، أي أن تفوز بالمعركة وتخسر الحرب، ويعود أصل المُصطلح إلى العصور القديمة وتحديدًا إلى عصر الملك بيريوس من إيبيروس – والذي سُمي المصطلح باسمه – حين قال بعد انتصاره على الرومان عام 279 قبل الميلاد في معركة هيراكليا، «إن انتصارًا آخر من هذا النوع سينهينا تمامًا».


وعلى الرغم من أن المُصطلح قديم، إلا أنه تكثر الأمثلة على ذلك في التاريخ الحديث، فعلى سبيل المثال حرب فيتنام (1955-1975)، حيث دخلت الولايات المُتحدة الحرب بتكنولوجيا عسكرية مُتقدمة مُقارنة بمُتمردي الفيت كونغ، بهدف وقف انتشار الشيوعية، إلا أن النصر لم يكن قابلًا للتحقيق، وفي نهاية المطاف وبعد مُغادرة القوات الأمريكية لفيتنام في عام 1975، لم يبقَ من ذلك الانتصار سوى أن فقد أكثر من 58 ألف أمريكي حياتهم وبقيت الشيوعية، وعلى الرغم من أن الولايات المُتحدة قد انتصرت في العديد من المعارك، إلا أن الحرب تحوّلت إلى كارثة سياسية واجتماعية في الداخل الأمريكي لعقود.


وفي مثال آخر مُشابه هو الاحتلال السوفييتي لأفغانستان (1979-1989)، خاض الاتحاد السوفييتي حربًا داميةً، بهدف دعم الحكومة الموالية للسوفييت في كابول، وعلى الرغم من نشر مئات الآلاف من الجنود واستخدامهم أسلحتهم المُتقدمة واجهوا مُقاومةً شديدةً من المُقاتلين الأفغان، وبعد عَقدٍ من الزمان ومقتل قرابة الـ 15 ألف جندي سوفييتي، انسحب الاتحاد السوفييتي دون تحقيق نصر حاسم، وكانت الأضرار التي لحقت بالاقتصاد والمعنويات السوفييتية كبيرة، ويعتقد بعض المُحللين أن هذه الحرب كانت من الأسباب التي سرَّعت من انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث لقبت بـ «حرب فيتنام الروسية».


أخيرًا، هناك الربيع العربي (2010-2012)، حيث أشعلت حركة الربيع العربي آمالًا بموجة من الإصلاحات الديمقراطية في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من أن الحركة أطاحت بديكتاتوريات طويلة الأمد في دول مثل مصر وليبيا وتونس، إلا أنها كانت انتصارات غالبًا «بيروسية»، فانزلقت ليبيا منذ ذلك الحين إلى الحرب الأهلية والانقسام، وشهدت مصر توقف انتقالها الديمقراطي، وفي سوريا، أدت الثورة إلى حرب أهلية مُدمّرة وأزمة لاجئين عالمية، وبقيت الدكتاتورية في جحرها الآمن.

الرأي الأخير ...

وهنا يجب أن نتساءلَ، ما الذي يؤدي إلى الانتصارات «البيروسية»؟ والجواب على ذلك أنه غالبًا ما يكون السبب مزيجًا من الغطرسة، وعدم قراءة تعقيدات الوضع على الأرض بشكل صحيح، إضافةً إلى الأمل في أن يؤدّي عرض القوة الهائلة إلى نتائج سريعة، ولكن للأسف، يُظهر التاريخ أن هذه الانتصارات -حتى عند تحقيقها- قد تترك ندوبًا طويلة الأمد، ليس فقط لتلك الأمم، وإنما للعالم أجمع، لأنه كما قد يقول الملك بيريوس لو كان بيننا اليوم فإن «الفوز في هذه المعارك قد يكون أشدّ خطورة من الهزيمة».

(في الحروب، الحقيقة هي الضحية الأولى)

إلى اللقاء في رأي آخر،،،


٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page