نحن مظليون، من المفترض أن نكون محاصرين
قبل تسعة وسبعين عامًا، شهدت سماء هولندا منظرًا مهيبًا: دوي محركات طائرات يعلو بين الغيوم، ومظلات تتدلى حاملة عشرات الآلاف من الجنود المظليين، معلنةً عن انطلاق أكبر عملية إنزال جوي في التاريخ، وهي عملية «ماركت جاردن» بعد تجربتي الشخصية مع «روح» قوات الإنزال الجوي «المظليين» خلال فترة تدريبي في كلية أحمد بن محمد العسكرية كنت دائمًا أتأمل عظمة تلك الروح، وخصوصًا خلال استقرائي لأحداث «ماركت جاردن» فعند النظر إلى التاريخ يصبح أمامنا مسار تطور الحرب الجوية واضحًا.
فجر قوات الإنزال الجوي
مع ظهور وحدات المظليين خلال الحرب العالمية الثانية، شهد العالم تحولًا استراتيجيًا ثوريًا في الأساليب العسكرية. وقد كانت عملية «ماركت جاردن» أبرز هذه العمليات، حيث نفذت قوات ضخمة من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وبولندا إنزالًا جويًا، يستهدف الجسور الحيوية لتمهيد الطريق نحو ألمانيا، هذا التنسيق بين العمليات الجوية والبرية أبرز فوائد تلك المفاجأة القادمة من السماء، ومع ذلك، كشفت العملية عن نقاط ضعف، سواء في الاستخبارات أو الاتصالات، أو المقاومة الألمانية التي لم يتوقعها الكثيرون.
عقود من التطور: من الحرب الباردة إلى عاصفة الصحراء
تنقلب الأمور خلال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، حيث شهدت استراتيجيات قوات الإنزال الجوي تغييرات جذرية، فقد قاد التهديد المستمر خلال الحرب الباردة إلى تعزيز قدرات الناتو وحلف وارسو في هذا المجال، وتعتبر الفرقة الجوية 82 الأمريكية والفرقة الجوية السوفيتية من أبرز القوات في هذه الحقبة ثم جاءت المروحيات، مثل UH-1 Huey التي أحدثت تحولًا آخرَ في التكتيكات خلال حرب فيتنام، بينما ساهمت المروحية UH-60 Blackhawk في توسيع نطاق عمليات القوات المحمولة جوًا في حرب الخليج.
الحرب الحديثة: طائرات بدون طيار، والذكاء الاصطناعي، والاستراتيجية الثالثة مع بداية القرن الحادي والعشرين، أصبحت الطائرات بدون طيار أو UAVs أداة أساسية في الاستطلاع وتنفيذ الهجمات، كما ساهم الذكاء الاصطناعي في تحقيق تقدم هائل في معالجة البيانات وإدارة العمليات والآن نحن أمام استراتيجيات تجمع بين القوى الجوية والفضائية والسيبرانية، حيث تتم محاكاة المواقف القتالية واختبار الاستراتيجيات في بيئات افتراضية معقدة.
مستقبل الحرب الجوية: الابتكار والمحافظة على التقاليد
يتطلب مستقبل الحرب الجوية الجمع بين الابتكار التكنولوجي واحترام التقاليد والتاريخ، فيجب أن نكون قادرين على التعلم من الدروس التاريخية، بينما نستكشف آفاق التكنولوجيا الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار وأساليب القتال المُتقدمة، وستتحدد فعالية الاستراتيجيات المستقبلية لقوات الإنزال الجوي على قدرتها على التوازن بين هذين العاملين واستيعاب الإمكانات والمخاطر المرتبطة بهما.
الرأي الأخير …
في هذه الذكرى السنوية الـ 79 لـ «ماركت جاردن» نحيّي شجاعة الذين تجرؤوا على خوض المجهول، فهي شهادة على حقيقة أنه على الرغم من تحوّل ملامح الحرب، تظل روح المُقاتل المظلي خالدة.
(نحن مظليون، من المفترض أن نكون محاصرين)
إلى اللقاء في رأي آخر ،،
Comentarios