top of page
  • صورة الكاتبنواف بن مبارك آل ثاني

سيوف الإسلام: عقيدة الجهاد (1)

الحكمة العسكرية في فتح القسطنطينية

خلال الشهور الماضية – إما من خلال الحرب الوحشية على غزة أو الحرب الروسية الأوكرانية – ترددت مفاهيم عسكرية مثل «العقيدة القتالية» و «قانون الحرب» وهي مفاهيم تصف طرق إدارة الدول للحروب «الشرعية» من خطط عملياتية وأخلاق «سامية» ولقد تردَّد أيضًا وبشكل يخالف التاريخ بأن تلك المفاهيم كالعقيدة القتالية Military Doctrine، هي مفاهيم غربية تطورت نتيجة الحروب الأوروبية وصولًا إلى الحرب العالمية الثانية فقط، وكما ذكرنا فإن ذلك الاعتقاد خطأ، لكون تلك المبادئ والعقيدة قد تجذرت في التاريخ البشري قبل «العصور المظلمة» في أوروبا وازدهرت منذ فجر الإسلام، و في هذا الشهر الفضيل سنقوم عن طريق هذه السلسلة بسرد تاريخي للعقيدة القتالية الإسلامية وكيف نجد تلك الجذور التاريخية لما يسمى اليوم ب «العقيدة العسكرية».

في ظلال التاريخ الغني لآيا صوفيا، يُعد حصار القسطنطينية في عام 1453م الموافق 857 ه تحت قيادة السلطان محمد الثاني، لحظة فارقة في تاريخ الحروب وتطور الفكر العسكري الإسلامي، يكشف هذا الحدث عن تداخل الحكمة والعدالة في العقيدة العسكرية الإسلامية، ويوفر مثالًا حيًا على كيفية تأثير الأخلاق والاستراتيجيات العسكرية في صياغة نتائج الصراعات.

الابتكار العسكري، كما يتجلى في استخدام المدافع الضخمة من قبل السلطان محمد لاختراق أسوار القسطنطينية، يمثل عنصرًا محوريًا في الفتح، هذا الابتكار لم يكن مجرد استعراض للقوة، بل كان يمثل التكامل بين التقنية والتكتيك العسكري الذي يظل مبدأً أساسيًا في العقائد العسكرية الحديثة، تتبع القوات المسلحة المعاصرة هذا المنهج من خلال الاعتماد المُتزايد على التكنولوجيا المتطورة مثل الطائرات بدون طيار والحروب السيبرانية، ما يؤكد على الدور الحاسم للابتكار في تحقيق الأهداف الاستراتيجية.

كما يُظهر حصار القسطنطينية أهمية الحرب النفسية والاستراتيجيات الشاملة، تكتيكات مثل نقل الأسطول عبر اليابسة لم تؤثر على معنويات المدافعين فحسب، بل أظهرت أيضًا الفهم العميق للعمليات النفسية والمعلوماتية. هذه الاستراتيجيات، التي تُستخدم بشكل مكثف في الحروب الحديثة، تُبرز كيف أن الحرب ليست فقط صراعًا عسكريًا بل نفسيًا ومعلوماتيًا أيضًا.

بالإضافة إلى الاستراتيجيات العسكرية، تُعد الأخلاق والقوانين الإنسانية جزءًا لا يتجزأ من العقيدة العسكرية الإسلامية. السلطان محمد الثاني، بحرصه على حماية المدنيين وتوفير الأمان للمستسلمين، يُظهر التزامًا بالمبادئ الإنسانية التي تُشكل اليوم أساس القانون الدولي الإنساني، كما هو موضح في اتفاقيات جنيف، الشيء الذي يختلف كلية على سبيل المثال عما قاله الفيلد مارشال روميل في الحرب العالمية الثانية: «في غياب الأوامر، اذهب وجِد شيئًا واقتله» .

الرأي الأخير …

هذا التقليد العسكري الإسلامي يُسلط الضوء على الرؤية الإسلامية للحرب، التي تُؤكد على الرحمة والعدالة، ويُبرز كيف أن العقيدة العسكرية الإسلامية سبقت العديد من المفاهيم الإنسانية المعاصرة، ليُقدم حصار القسطنطينية نموذجًا للتوازن بين القوة والأخلاق في العقيدة العسكرية الإسلامية. إن الدروس المستفادة من هذا الحدث تعكس كيف أن الفكر العسكري الإسلامي، بتركيزه على الابتكار والاستراتيجية الشاملة والالتزام بالقيم الإنسانية، يمكن أن يقدم رؤى ثاقبة للعقائد العسكرية الحديثة والقوانين الدولية الخاصة بالحروب.

(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)

إلى اللقاء في رأي آخر،،،


٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page