top of page
  • صورة الكاتبنواف بن مبارك آل ثاني

وداعًا لأرض الآباء ...

ملحمة الأمير الأفريقي في قلب إنجلترا الفيكتورية


في عام 1868، وبين المشاهد الوعرة لإثيوبيا وأروقة إنجلترا الفيكتورية الأنيقة، تلاقت مصائر عالمين بشكل مؤثر عبر رحلة الأمير الشاب أليمايهو، وهو ابن الإمبراطور تيودروس الثاني إمبراطور إثيوبيا، تمثل قصة أليمايهو فصلاً حزيناً وملهماً من فصول الخسارة الشخصية، والغربة الثقافية، وتعقيدات النفوذ والرعاية الإمبراطورية.

تبدأ الحكاية مع ختام الحملة العسكرية البريطانية على إثيوبيا، التي كانت تهدف إلى إنقاذ رهائن أوروبيين في قبضة الإمبراطور تيودروس الثاني، الحملة، التي وصلت ذروتها بحصار ”ماجدالا“ في أبريل عام 1868، و اختتمت بمأساة انتحار الإمبراطور ومن بين غنائم الحرب كان هناك الأمير الصغير أليمايهو، يتيم الأبوين، مُقطع الصلات بتراثه الملكي.

لما علمت الملكة فيكتوريا بمأساة الأمير الشاب قدمت له يد العون، وكتبت في مذكراتها قائلة: ”ذلك الفتى المسكين، هو الآن وحيد في هذا العالم“، فقامت القوات البريطانية باختطاف الأمير الطفل فيما وصف من طرفهم حينها بانها الملكة فيكتوريا قد ”عرضت عليه حياة جديدة في إنجلترا“، ليبدأ بذلك فصل جديد من حياته في المجتمع الفيكتوري، لا يمكن تجاهل مارواه المؤرخون بأن تلك اللفته من الملكة فيكتوريا كانت بها جزء من عاطفة إنسانية تجاه طفل يتيم، إلا أن هذه اللفتة كانت أيضًا وبشكل أساسي دليلاً على الطموحات الإمبراطورية في اعادة تشكيل العقول أو ما كانوا يسمونه ”بالأخلاق الفيكتورية“، مُبرهنة أن الإمبراطورية البريطانية كانت ترى نفسها كقوة مُحتلة ومُربية في آن واحد، في إنجلترا، تكشفت حياة أليمايهو عن تناقضات الامتياز والعزلة، فعلى الرغم من تعليمه على يد أفضل المعلمين ونشأته بين النخبة البريطانية، كان هذا التعامل الملكي مع أليمايهو الطفل – الضيف و المخطوف – من النظرة البريطانية كرمز لنفوذ الإمبراطورية، ومع ذلك، خلف واجهة حياته المتميزة، كافح مع الشعور بالخسارة والغربة، ليشير أحد المراقبين المعاصرين بأنه كان ”يتقن الإنجليزية بطلاقة، لكنه غالبًا ما يشتاق إلى جبال وطنه بنظرات حزينة“.

طرح وجود أليمايهو في إنجلترا تساؤلات حول النظرة الفيكتورية لإفريقيا، مقدمًا صورة إنسانية للأراضي البعيدة التي كانت تحت نظر الإمبراطورية، فكان ذكاؤه وسلوكه يتحديان الصور النمطية السائدة، مما أدى إلى إعادة تقييم ناعمة لرواية ”المهمة الحضارية“، ومع ذلك، كان هذا التبادل الثقافي ملوثًا بنظرة عنصرية إمبريالية، حيث تم تقييد استقلاليته بمصالح وتوقعات من حوله.

أخذت قصة الأمير منعطفًا حزينًا مع وفاته المبكرة في عام 1879 عندما كان عمره 18 عامًا، بسبب المناخ الإنجليزي القاسي وربما، قلبه المنكسر، وقامت الملكة فيكتوريا – التي نعت فقدانه – بالأمر بدفنه في مقابر قلعة ويندسور الملكية وأن ينقش على نصبه التذكاري جملة ”كنت غريبًا واستقبلتموني“، ولكن هل كانت تلك هي أفكاره قبيل وفاته؟ أم قد تكون جملة ”قتلتم والدي وأردتم نسخ حضارتي“ أقرب للحقيقة؟.

الرأي الأخير …

رحلة أليمايهو، من مرتفعات أثيوبيا إلى قبر في وندسور، تشكل فصلًا مؤثرًا في تاريخ الإمبراطورية البريطانية، تسلط الضوء على العلاقات الإنسانية المعقدة ضمن السرد الإمبراطوري، مُظهرة ما قد تبدو بالمودة الصادقة والتناقضات الكامنة بين القوة والرعاية، وعلى الرغم من قصر حياته، توفر قصة أليمايهو نافذة على القصص الإنسانية التي كثيرًا ما تُغفل بفعل الروايات التاريخية العظيمة، داعيةً إيانا للتأمل في إرث تلك الإمبراطورية اليوم والبحث المستمر عن أثرها المستمر في ”الهوية والانتماء“ في قارة أفريقيا المتغيرة.

(في قلب الملكة، وجد الملاذ، وفي ظلال القصر، أضاع الهوية)

إلى اللقاء في رأي آخر ،،،


٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page