هل تُسلب مصر شريانَ حياتها الاقتصادي؟
في خضم العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، تعود إلى الواجهة بقوة خطط بناء «قناة بن غوريون» التي تُهدد بإحداث تغيير جِذري في مَمرات التجارة العالمية وزعزعة استقرار المنطقة، هذه القناةُ المُقترحة التي ستربط بين البحر الأحمر والبحر المُتوسط عبر صحراء النقب ليست مجرد مشروع اقتصادي ضخم، بل هي خطوة تحمل في طياتها تحديات جيوسياسية هائلة، خاصة بالنسبة لمصر.
منذ افتتاحها في عام 1869، مثَّلت قناةُ السويس شريان الحياة للاقتصاد المصري، حيث تُولِّد إيرادات ضخمة من رسوم عبور السفن، تُسهم في استقرار الاقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل لملايين المصريين. في العام الماضي وحده بلغت عائدات القناة رقمًا قياسيًا وصل إلى 9.4 مليار دولار، ما يؤكد أهميتها الاستراتيجية لمصر وللعالم أجمع، ومع ذلك، في ظل المخاطر المُتزايدة تواجه مصر اليومَ خطرًا حقيقيًا يتمثل في مشروع «قناة بن غوريون» ، الذي قد يسلبُها جزءًا كبيرًا من هذه الإيرادات ويُهدد مكانتها كمحور حيوي للتجارة الدولية، ما قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على استقرارها الداخلي.
ولم تقتصر التهديدات الإسرائيلية على القناة فقط، فخلال المفاوضات المستمرة حول مستقبل غزة، طالبت إسرائيل بإعادة النظر في بنود اتفاقية كامب ديفيد للسماح لقواتها بالتواجد على طول محور فيلادلفيا، الذي يفصل بين غزة ومصر، هذا الطلب يشكل خطوات قد تهدد بإعادة رسم معالم المنطقة سياسيًا وتؤدي إلى تقويض معاهدة كامب ديفيد، التي تعدّ حجر الزاوية في السلام بين البلدين. الرَّدُ المصري الحازم بالرفض يعكس مخاوف القاهرة العميقة من التعدي على سيادتها، وهو موقف قد يتطور إلى توتر دبلوماسي غير مسبوق بين الطرفين، وربما يؤدي إلى إجراءات مصرية لزيادة وجودها العسكري أو التحرك نحو تحالفات إقليمية جديدة لمواجهة هذا التهديد.
تجد مصر نفسَها اليومَ أمام تحديات مصيرية. فمن جهة، تواجه تهديدًا مباشرًا بفقدان جزء كبير من إيراداتها الحيوية إذا تم تنفيذ مشروع «قناة بن غوريون» ومن جهة أخرى، يتعين عليها الدفاع عن سيادتها في مواجهة المحاولات الإسرائيلية لتغيير الوضع القائم في محور فيلادلفيا، ما يُعقد المشهد السياسي ويضع مصر أمام اختبار صعب للحفاظ على توازنها الإقليمي.
وفي ظل استمرار الحرب على غزة، يشير تفريغ أجزاء من شمال القطاع من سكانه إلى استراتيجية إسرائيلية مُتكاملة تمهد الطريق لتنفيذ هذا المشروع، إذا تحقق هذا السيناريو، فإن بناء «قناة بن غوريون» سيصبح أكثر سهولة، مع استغلال الأراضي الفارغة في شمال غزة لتمرير القناة دون عقبات كبيرة.
الرأي الأخير…
إن مُضي إسرائيل في تنفيذ هذا المشروع وسط هذا الصراع سيؤدي حتمًا إلى تفجير أوسع في المنطقة، ومع احتمال اندلاع صراع إقليمي أشمل نتيجة التوترات المُتفاقمة في غزة، قد تجدُ مصرُ نفسَها مضطرة للدفاع عن مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في مواجهة هذا التهديد المُتزايد، إن استمرار هذه التحركات الإسرائيلية قد يعيد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات في المنطقة، ما يزيد من تعقيد الأوضاع ويدفع بالمنطقة نحو المزيد من الاضطرابات.
(العواصف لا تعترف بالحدود التي يرسُمُها الإنسان)
إلى اللقاء في رأي آخر،،
Comments