top of page
PoliSMAIN357709.png

حكاية من واشنطن

  • صورة الكاتب: نواف بن مبارك آل ثاني
    نواف بن مبارك آل ثاني
  • 23 أبريل
  • 2 دقائق قراءة

واشنطن تُصغي أكثر مما تتكلم.. وتقلق أكثر مما تُظهر.

عدتُ مؤخرًا من العاصمة الأمريكيّة واشنطن، مدينة القرار والتردد، حيث تُصنع السياسات في وضح النهار، وتُعدّل في جنح الظلام. واشنطن لا تقول كل شيء، لكنها لا تُخفي كل شيء أيضًا. هي مدينة تتحدّث بالإيماء أكثر مما تفعل بالتصريح، وتُعبّر عن قلقها بابتسامة دبلوماسية لا تخفي شيئًا على من يعرف طبائعها.

في زيارتي الأخيرة، كان الشعور السائد في الهواء هو القلق. قلق من الداخل الأمريكي المنقسم، وقلق من عالم يتغيّر بسرعة، ولم تعد واشنطن قادرةً على الإمساك بكل خيوطه. في زوايا المدينة، بين مراكز التفكير وقاعات الندوات المغلقة، يتكرر سؤال خافت: هل ما زلنا نمسك بزمام المبادرة، أم بتنا نُدير الأزمات بدلًا من حلّها؟

أحد الأماكن التي تكشف ما يدور خلف الستار، كان ذلك المقهى الشهير لدى نخب العاصمة، المعروف باسم «شِلّيز»، حيث تختلط رائحة السيجار بأحاديث السياسة الثقيلة. في هذا المكان، لا يُقال الكلام على عجل، بل يُنقَّب في النيات، وتُختبر التوجهات، وتُصاغ المواقف قبل أن تخرجَ للعلن. كان لافتًا أن اسم قطر كان حاضرًا بقوة، في كل نقاش تقريبًا.

قطر اليوم، في عيون واشنطن، لم تعد «الوسيط الصغير» أو «الدولة النشطة»، بل تحوّلت إلى شريك موثوق يُحسن الإصغاء للكل والتحدّث مع الجميع. هناك من يتحدّث عنها بإعجاب واضح، وآخرون يتحفظون بصمتٍ مريبٍ، لكن حتى هؤلاء لا ينكرون أنها باتت فاعلًا لا يمكن تجاوزه في مِلفاتٍ مُلتهبةٍ، وعلى رأسها غزة.

الملف الغزّي خرج من إطاره الإنساني إلى سياق استراتيجي أوسع. فالصراع هناك لم يعد مجرّد أزمة محلية، بل أصبح مَيدانًا مفتوحًا لقياس الوزن النسبي للاعبين الإقليميين والدوليين. ووسط انسداد المسار السياسي، وتصلّب المواقف الإسرائيلية، وضعف الحضور الأوروبي، تبدو الوساطة القطرية - إلى جانب المصرية - وكأنها الخيط الأخير في نسيجٍ هشٍّ.

أما في الداخل الأمريكي، فالوضع لا يقل اضطرابًا. من احتجاجات الجامعات، إلى قضايا الهجرة، وصولًا إلى القلق الاقتصادي المتصاعد، يعيش الشارع حالةً من الغليان الصامت. الجميع يتهيّأ من الآن لانتخابات مُنتصف الولاية في نوفمبر 2026، التي يُنظر إليها كاستفتاء على توجّه البلاد، وربما على النظام السياسي نفسه.


الرأي الأخير

واشنطن، لمن يعرفها، ليست مدينة تُفهم من أول زيارة. فيها مدينتان: واحدة للكاميرات، وأخرى للكواليس. الأولى تُرحّب بك وتبتسم، والثانية تُراقبك وتصمت. وفي شوارعها هذه الأيام، يشعر المرء بأن الزمن السياسي لا يتحرّك إلى الأمام بثقة، بل يتردد، ويترنّح، وكأن البلاد تتهيأ لمرحلةٍ لا أحد يعرف شكلها بعد، لكنها قادمة لا محالة.


(في واشنطن.. ليس كل صمت هدوءًا، وليس كل حركة تقدمًا)

إلى اللقاء في رأي آخر،،،


Comments


  • RSS
  • X
  • Instagram
  • Youtube

 - مجرد رأي | نظرة إستراتيجية -

جميع الآراء هنا تمثل آراء الكاتب الشخصية فقط.

pod144r21.tif
PoliSMAIN35755.png

© 2025 Nawaf bin Mubarak Al-Thani, All rights reserved.

bottom of page