ترامب بعد الـ 100 يوم
- نواف بن مبارك آل ثاني
- 26 يونيو
- 2 دقيقة قراءة
بين الضجيج والنتائج


منذ عهد فرانكلين روزفلت، أصبح تقييم أداء الرئيس الأمريكي خلال المئة يوم الأولى تقليدًا سياسيًا راسخًا، يُعتمد عليه لاستشراف المسار العام للإدارة الجديدة. ومع طيّ إدارة دونالد ترامب الثانية صفحتها الأولى من الزمن، تبدو الصورة أكثر تعقيدًا من أن تُختصرَ بحُكمٍ سريعٍ أو انطباعٍ عابرٍ.
داخليًا، يمكن رصد مؤشرات إيجابيّة لا يمكن تجاهلها: فقد تحسنت أرقام الوظائف مقارنة بالعام الماضي، بل وتجاوزت مستوياتها عند بداية الولاية الأولى لترامب. ارتفعت معدّلات التوظيف في قطاعات رئيسية مثل الطاقة، والصناعة التحويلية، والخِدمات، بينما بدأ معدل البطالة بالانخفاض تدريجيًا، مُسجلًا أدنى مستوياته خلال العامين الماضيين. ورغم أن الأسعار لا تزال مرتفعة نسبيًا نتيجة ضغوط التضخم، فإن الأسواق الكبرى شهدت مؤخرًا بوادر انخفاض ملموس، خاصة في أسعار المواد الغذائية الأساسية. كما سجلت سلاسل الإمداد تحسنًا ملحوظًا مع تراجع أزمات النقل والشحن التي كانت تعصف بالأسواق في الفترات السابقة. أما أسعار الوَقود، فقد سجلت تراجعًا وطنيًا، باستثناء بعض الولايات مثل كاليفورنيا، حيث تؤدّي الضرائب البيئية والقيود المحلية إلى بقاء الأسعار مُرتفعة.
ورغم أن الخطاب السياسي للإدارة يتسم أحيانًا بالحدة ويفتقر إلى الدبلوماسية المعتادة، فإن النظرة الموضوعية إلى السياسات الاقتصادية تُظهر تحسنًا نسبيًا يُحتسب للإدارة، مع تسجيل بعض المؤشرات التي قد تُترجم إلى نمو مُستدام إذا أُحسن التعامل معها. ويُسجل أيضًا أن إدارة ترامب قد أولت اهتمامًا مُتزايدًا بإعادة توجيه الاستثمارات نحو البنية التحتية والطاقة التقليدية، مع وعود بإطلاق مشاريع كبرى لدعم التنمية المحلية.
على الصعيد الدولي، تبذلُ إدارة ترامب جهودًا واضحةً لإعادة ضبط شبكة التحالفات التقليدية، خاصة مع حلف شمال الأطلسي وأوروبا، ضمن مقاربة تقوم على تقاسم الأعباء الأمنية والمالية بشكل أكثر توازنًا. كما أن التعامل مع الصين يعكس نهجًا مزدوجًا: ضغط اقتصادي من جهة، وفتح قنوات تواصل انتقائية من جهة أخرى، بما يُعبّر عن وعي استراتيجي بأهمية العَلاقة بين أكبر اقتصادين في العالم، دون الدخول في مواجهاتٍ مفتوحةٍ.
وفي الشرق الأوسط، تسعى الإدارةُ إلى اتباع سياسة ضبط الانخراط المباشر والتركيز على العمل عبر الشركاء الإقليميين، مدفوعةً برغبةٍ في الحفاظ على النفوذ الأمريكي بأقل تكلفة مباشرة، مع استمرار الانخراط في قضايا مثل أمن الطاقة، ومُكافحة الإرهاب، واستقرار الشركاء التقليديين.
ومع كل هذه المؤشرات، يجب التذكير بأن تقييم المئة يوم هو تقليد أمريكي صرف، يخضع لاعتبارات سياسية داخلية أكثر مما يعكس قدرة الإدارة على إحداث تحوّلات استراتيجية حقيقية على المدى الطويل. فالحكم العادل على السياسات لا يتم عبر المحطات الرمزية، بل عبر النتائج المُتراكمة عبر الزمن، خصوصًا في بيئة دولية مُضطربة تتطلب إدارةً دقيقةً وحساسةً للتوازنات المُعقدة.
الرأي الأخير...
بين ضجيج التصريحات اليومية، وحركة الأرقام الاقتصاديّة المتنامية، وصخب الحملات الإعلامية، تبقى إدارة ترامب أمام اختبار صعب: إما أن تثبت قدرتها على تحويل الزخْم إلى واقع مُستقر، أو تواجه ارتدادات داخلية وخارجية قد تُقوّض مكاسبها، والأيام، كما علمتنا التجرِبة، وحدها تملك الكلمة الفصل.
(الرياح الأولى لا تُحدِّد مصير السفينة)
إلى اللقاء في رأي آخر،،،

Comentários